فصل: قال السمرقندي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



1- هداية الإلهام الفطري: وتكون للطفل منذ ولادته، فهو يحس بالحاجة إلى الطعام والشراب، فيصرخ طالبا له إن غفل عنه والداه.
2- هداية الحواس: وهي متممة للهداية الأولى، وهاتان الهدايتان يشترك فيهما الإنسان والحيوان، بل هما في البداية أكمل في الحيوان من الإنسان، إذ إلهام الحيوان يكمل بعد ولادته بقليل، ويكتمل في الإنسان تدريجيا.
3- هداية العقل: وهي أسمى من الهدايتين السابقتين، فالإنسان خلق مدنيا بالطبع ليعيش مع غيره، ولا يكفي الحس الظاهر للحياة الاجتماعية، فلابد له من العقل الذي يوجهه إلى مسالك الحياة، ويعصمه من الخطأ والانحراف، ويصحح له أغلاط الحواس، والانزلاق في تيارات الهوى.
4- هداية الدين: وهي الهداية التي لا تخطئ، والمصدر الذي لا يضل، فقد يخطئ العقل، وتنجرف النفس مع اللذات والشهوات، حتى توردها موارد الهلاك، فيحتاج الإنسان إلى مقوّم مرشد هاد لا يتأثر بالأهواء، فتسعفه هداية الدين لإرشاده إلى الطريق الأقوم، إما بعد الوقوع في الخطأ أو قبله، وتظل هذه الهداية هي الحارس الأمين الذي يفيء إليها الإنسان للتزود بمفاتيح الخير، والتسلح بمغلاق الشر، فيأمن العثور، ويضمن النجاة، وتعرّفه بحدود ما يجب عليه لسلطان اللّه الذي يخضع له في أعماق نفسه، ويحس بالحاجة الملحة لصاحب ذلك السلطان، الذي خلقه وسواه، وأنعم عليه نعما ظاهرة وباطنة، لا تعد ولا تحصى. فصارت هذه الهداية أشد ما يحتاج إليها الإنسان، لتحقيق سعادته.
وقد أشار القرآن إلى تلك الهدايات في آيات كثيرة، منها: {وَهَدَيْناهُ النَّجْدَيْنِ} [البلد 90: 10] أي بينا له طريقي الخير والشر، والسعادة والشقاء.
ومنها قوله تعالى: {وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْناهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمى عَلَى الْهُدى} [فصلت 41: 17] أي أرشدناهم إلى طريق الخير والشر، فاختاروا الثاني.
5- هداية المعونة والتوفيق للسير في طريق الخير والنجاة: وهي أخص من هداية الدين، وهي التي أمرنا اللّه بدوام طلبها في قوله تعالى: {اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ} أي دلنا دلالة، تصحبها من لدنك معونة غيبية، تحفظنا بها من الضلال والخطأ.
وهذه الهداية خاصة به سبحانه، لم يمنحها أحدا من خلقه، بل نفاها عن النّبي صلّى اللّه عليه وسلّم في قوله: {إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ} [القصص 28: 56]، وقوله: {لَيْسَ عَلَيْكَ هُداهُمْ وَلكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ} [البقرة 2: 272]، وأثبتها لنفسه في قوله: {أُولئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُداهُمُ اقْتَدِهْ} [الأنعام 6: 90].
أما الهداية بمعنى الدلالة على الخير والحق، فأثبتها اللّه للنّبي صلّى اللّه عليه وسلّم في قوله: {وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ} [الشورى 42: 52].
والخلاصة: الهداية في القرآن نوعان: هداية عامة: وهي الدلالة إلى مصالح العبد في معاده، وهذه تشمل الأنواع الأربعة السابقة، وهداية خاصة: وهي الإعانة والتوفيق للسير في طريق الخير والنجاة، مع الدلالة، وهي النوع الخامس.
والإضلال نوعان:
أحدهما- أن يكون سببه الضلال: إما بأن يضل عنك الشيء كقولك:
أضللت البعير، أي ضلّ عني، وإما أن تحكم بضلاله. والضلال في هذين سبب الإضلال.
والثاني- أن يكون الإضلال سببا للضلال: وهو أن يزين للإنسان الباطل ليضلّ.
وإضلال اللّه تعالى للإنسان على أحد وجهين: إما الحكم عليه بالضلال، أو التّمكين من البقاء في الضلال.
والأول- سببه الضلال: وهو أن يضل الإنسان، فيحكم اللّه عليه بذلك في الدنيا، ويعدل به عن طريق الجنة إلى النار في الآخرة، وذلك إضلال هو حق وعدل، لأن الحكم على الضال بضلاله والعدول به عن طريق الجنة إلى النار عدل وحق.
والثاني- سببه اختيار الإنسان: وهو أن يختار الإنسان طريق الانحراف، فيمده اللّه في ضلاله، ويمكّنه من البقاء في طغيانه، ويخلق له القدرة على الاستمرار في كفره وفساده، لذا نسب اللّه الإضلال للكافر والفاسق، دون المؤمن، بل نفى عن نفسه إضلال المؤمن، فقال: {وَما كانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْمًا بَعْدَ إِذْ هَداهُمْ} [التوبة 9: 115]،: {فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمالَهُمْ، سَيَهْدِيهِمْ} [محمد 47: 4- 5]، وقال في الكافر والفاسق: {فَتَعْسًا لَهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمالَهُمْ} [محمد 47: 8]،: {وَما يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفاسِقِينَ} [البقرة 2: 26]،: {كَذلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ الْكافِرِينَ} [غافر 40: 74]،: {وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ} [إبراهيم 14: 27]، وعلى هذا النحو تقليب الأفئدة في قوله تعالى: {وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ} [الأنعام 6: 110]، والختم على القلب في قوله: {خَتَمَ اللَّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ} [البقرة 2: 7]، وزيادة المرض في قوله: {فِي قُلُوبِهِمْ مَرَض فَزادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا} [البقرة 2: 10]، فمن اختار الضلالة، أبقاه اللّه فيها، ومنع عنه نفوذ الهداية إلى قلبه، عقابا له من اللّه تعالى.

.فقه الحياة أو الأحكام:

لا يوجد في القرآن آية بدون معنى أو فائدة أو حكمة أو تشريع، فهو كلام اللّه المعجز دستور الحياة البشرية، وبناء عليه، يقصد بالآيات القرآنية تحقيق فائدة الإنسان في حياته الدينية والدنيوية والأخروية، وتربطه بالحياة.
وتكون بالتالي الأحكام المستفادة من معاني الآيات مرتبطة ارتباطا وثيقا إما بالعقيدة أو بالعبادة أو بالأخلاق والسلوك أو بالتشريع الصالح للفرد والجماعة، وهذا المعنى الأعمّ هو الذي عنيته بفقه الحياة في القرآن الكريم.
والمعاني أو الأحكام المستفادة من الفاتحة تشمل صلة الإنسان باللّه، وتحدد طريق مناجاته، وترسم له نوع مسيرته في الحياة، وتلزمه باتّباع المنهج الأقوم والطريق الأعدل، الذي لا انحراف فيه قيد أنملة عن جادّة الاستقامة، ولا قبول بأي لون من ألوان الضلال والغيّ والانحراف. ومعنى البسملة في الفاتحة: أنّ جميع ما يقرر في القرآن من الأحكام وغيرها هو للّه ومنه، ليس لأحد غير اللّه فيه شيء.
1- كيفية حمد اللّه: الفاتحة ذلك النشيد العاقد للصلة مع اللّه، والذي علّمنا اللّه إياه، يقرؤه المؤمن في كل المناسبات، في الصلاة وغيرها، لأن بدايته على تأويل: قولوا: {الحمد لله رب العالمين}، وذلك يقضي أن اللّه أمرنا بفعل الحمد، وعلمنا كيف نحمده ونثني عليه، وكيف ندعوه، ويفهم منه أنّ من آداب الدعاء: أن يبدأ بحمد اللّه والثناء عليه، ليكون ذلك أدعى إلى الإجابة. اهـ.

.فصل: في آمين وحكم الفاتحة:

وقال الخازن:
مسألتان: في الفاتحة:

.الأولى: في حكم قول آمين بعد الفراغ من الفاتحة:

السنّة للقارئ بعد فراغه من الفاتحة أن يقول آمين مفصولًا عنها بسكتة، وهو مخفف وفيه لغتان المد والقصر قال في المد: ويرحم الله عبدًا قال آمينا.
وقال في القصر: آمين فزاد الله ما بيننا بعدًا.
ومعنى آمين اللهم اسمع واستجب.
وقال ابن عباس: معناه كذلك يكون.
وقيل: هو اسم من أسماء الله تعالى وقيل هو خاتم الله تعالى على عباده به يدفع عنهم الآثام.
عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إذا أمن الإمام فأمنوا فإن من وافق تأمينه تأمين الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه» قال ابن شهاب: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول آمين. وفي رواية للبخاري: «أن الإمام إذا قرأ {غير المغضوب عليهم ولا الضالين} فقولوا آمين فإن الملائكة تقول آمين فمن وافق تأمينه تأمين الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه».
قوله: «فمن وافق تأمينه تأمين الملائكة»: معناه وافقهم في وقت التأمين فأمن مع تأمينهم، وقيل: وافقهم في الصفة والخشوع والإخلاص والقول الأول هو الصحيح.
واختلفوا في هؤلاء الملائكة فقيل هم الحفظة وقيل غيرهم من الملائكة.
قوله: «غفر له ما تقدم من ذنبه»: يعني تغفر له الذنوب الصغائر دون الكبائر وقول ابن شهاب: «كان رسول الله صلى عليه وسلم يقول آمين». معناه أن هذه صيغة تأمينه صلى الله عليه وسلم.

.المسألة الثانية في حكم الفاتحة:

اختلف العلماء في وجوب قراءة الفاتحة فذهب مالك والشافعي وأحمد وجمهور العلماء إلى وجوب الفاتحة وأنها متعينة في الصلاة ولا تجزئ إلا بها، واحتجوا بما روى عبادة بن الصامت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا صلاة لمن لم يقرأ فيها بفاتحة الكتاب» أخرجاه في الصحيحين وبحديث أبي هريرة: «من صلى صلاة لم يقرأ فيه بفاتحة الكتاب فهي خداج ثلاثًا غير تمام» الحديث وقد تقدم في فضل سورة الفاتحة وذهب أبو حنيفة إلى أن الفاتحة لا تتعين على المصلي بل الواجب عليه قراءة آية من القرآن طويلة أو ثلاث آيات قصار واحتج بقوله تعالى: {فاقرؤوا ما تيسر منه} وبقوله صلى الله عليه وسلم في حديث الأعرابي المسيء صلاته «ثم اقرأ بما تيسر معك من القرآن» أخرجاه في الصحيحين دليل الجمهور ما تقدم من الأحاديث.
فإن قيل المراد من الحديث لا صلاة كاملة قلنا هذا خلاف ظاهر لفظ الحديث ومما يدل عليه حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تجزئ صلاة لمن لم يقرأ فيها بفاتحة الكتاب» أخرجه الدارقطني وقال إسناده صحيح وعنه «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمره أن يخرج فينادي لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب فما زاد» أخرجه أبو داود. وأجيب عن حديث الأعرابي بأنه محمول على الفاتحة فإنها متيسرة أو على ما زاد على الفاتحة أو على العاجز عن قراءة الفاتحة، والله أعلم. اهـ.

.قال ابن كثير:

وعن أنس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أعطيت آمين في الصلاة وعند الدعاء، لم يعط أحد قبلي إلا أن يكون موسى، كان موسى يدعو، وهارون يؤمن، فاختموا الدعاء بآمين، فإن الله يستجيبه لكم».
قلت: ومن هنا نزع بعضهم في الدلالة بهذه الآية الكريمة، وهي قوله تعالى: {وَقَالَ مُوسَى رَبَّنَا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلأهُ زِينَةً وَأَمْوَالا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الألِيمَ قَالَ قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُمَا فَاسْتَقِيمَا وَلا تَتَّبِعَانِّ سَبِيلَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ} [يونس: 88، 89]، فذكر الدعاء عن موسى وحده، ومن سياق الكلام ما يدل على أن هارون أمَّن، فنزل منزلة من دعا، لقوله تعالى: {قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُمَا} [يونس: 89]، فدلّ ذلك على أن من أمَّن على دعاء فكأنما قاله؛ فلهذا قال من قال: إن المأموم لا يقرأ لأن تأمينه على قراءة الفاتحة بمنزلة قراءتها؛ ولهذا جاء في الحديث: «من كان له إمام فقراءة الإمام له قراءة»، وكان بلال يقول: لا تسبقني بآمين. فدل هذا المنزع على أن المأموم لا قراءة عليه في الجهرية، والله أعلم.
ولهذا قال ابن مَرْدُويه: حدثنا أحمد بن الحسن، حدثنا عبد الله بن محمد بن سلام، حدثنا إسحاق بن إبراهيم، حدثنا جرير، عن ليث بن أبي سليم، عن كعب، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا قال الإمام: {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ}. فقال: آمين، فتوافق آمين أهل الأرض آمين أهل السماء، غفر الله للعبد ما تقدم من ذنبه، ومثل من لا يقول: آمين، كمثل رجل غزا مع قوم، فاقترعوا، فخرجت سهامهم، ولم يخرج سهمه، فقال: لِمَ لَمْ يخرج سهمي؟ فقيل: إنك لم تقل: آمين». اهـ.

.قال السمرقندي:

آمين ليس من السورة ولكن روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقوله ويأمر به، ومعناه ما قال ابن عباس: يعني كذلك يكون. وروي عن مجاهد أنه قال: هو اسم من أسماء الله تعالى ويكون معناه: يا الله استجب دعاءنا. وقال بعضهم: هي لغة بالسريانية.
وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «مَا حَسَدَتْكُمْ اليَهُودُ فِي شَيْءٍ، كَحَسَدِهِمْ فِي آمين خَاتَمِ رَبِّ العَالَمِينَ، يَخْتِمُ بِهِ دُعَاءَ عِبَادِهِ المُؤْمِنِينَ».
وقال مقاتل: هو قوة للدعاء واستنزال للرحمة.
وروى الكلبي، عن أبي صالح، عن ابن عباس رضي الله عنهما: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم ما معنى آمين؟ قال: رَبِّ افْعَلْ.
ويقال: فيه لغتان أمين بغير مد، وآمين بالمد، ومعناهما واحد، وقد جاء في أشعارهم كلا الوجهين.
قال القائل:
تَبَاعَدَ عَنِّي فُطْحُل إِذْ دَعَوْتُه ** أمِينَ فَزَادَ الله مَا بَيْنَنَا بُعْدَا

وقال الآخر:
يَا رَبِّ لا تَسْلُبَنِّي حُبَّهَا أَبَدَا ** وَيَرْحَمُ الله عَبْدًا قَالَ: آمِينَا

. اهـ.